الاطماع الاسرائيلة في المياه العربية
تحتوي الأرض على أكثر من ثلثي مساحتها ماء، غير أن معظمها يتركَّز في المحيطات المالحة وفي الأنهار القطبية المتجمِّد معظمها ورغم الوفرة النسبية للمياه العذبة على المستوى العالمي فإن العالم مع دخول القرن الحادي والعشرين يتعرَّض نصف مليار شخص تقريبًا لتهديد العطش في آسيا وأفريقيا وبصفة خاصة في الوطن العربي الذي يمثِّل نحو عشرة بالمائة من مساحة اليابسة، ورغم ذلك فلا يمتلك سوى سبعة أعشار بالمائة من إجمالي الموارد المائية المتجددة بالعالم نظرًا إلى وقوع معظمه في ما يسمى بمنطقة حزام العطش التي تمثل قيدًا على مستوى الأمان المائي في الوطن العربي.
موارد المياه المتجددة في الوطن العربي تتركَّز في ثلاثة مصادر هي الأمطار والمياه الجوفية والمجاري النهرية أو البحيرات، فبالنسبة إلى الأمطار فهي شحيحة ومتقلِّبة نظرًا إلى مناخ المنطقة الصحراوي والجاف لا سيما مع كثرة الفاقد بسبب زيادة معدلات البخر كنتيجة لارتفاع درجات الحرارة وأيضًا طبيعة التربة الرملية وكثرة مسامها، وبالنسبة إلى جيولوجيا المياه الجوفية فنجدها بدورها تنقسم إلى أحواض متجددة لا يترتَّب على استغلالها لفترات طويلة أي هبوط في منسوب المياه الجوفية بها، وهي تتمحور حول أربعين مليارًا من الأمتار المكعبة للمياه، بينما يتركز المخزون الأعظم في الخزانات الجوفية غير المتجددة والتي تكوَّنت عبر آلاف السنين حيث تقدَّر بنحو خمسة عشر ألفًا من الأمتار المكعبة للمياه.
أما الأنهار والبحيرات في الوطن العربي فيبلغ عدد المجاري النهرية الدائمة فيها أربعة وأربعين نهرًا، ولكن تمثِّل أربعة منها فقط الأحواض الرئيسة في الجغرافيا العربية، فأشهرها وأطولها على الإطلاق نهر النيل الذي ينبع معظمه من إثيوبيا وتشترك فيه عشر دول بعد انفصال جنوب السودان، ويأتي بعده في الأهمية نهرا دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا ويشارك فيهما ثلاث دول، ونهرا جوبا وشبيلي بالصومال، وأخيرًا نهر السنغال الذي يعد حدًّا سياسيًّا فاصلًا بينه وبين موريتانيا.
ورغم شحِّ الموارد المائية في الوطن العربي؛ فإن المشكلة تفاقمت بقدوم هذا الضيف الثقيل المتمثِّل في الكيان الصهيوني الذي خطَّط قبل تأسيسه إلى تأمين احتياجاته المائية عبر السيطرة على الموارد المائية للدول المجاورة ولم يقف مكتوفي الأيدي، بل حاول لأجل ذلك الحصول على مساعدة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وبعد هزيمة عام 1967 تم لإسرائيل العطشى ما أرادت من تأمين احتياجاتها من المياه العربية، ومن هنا كانت المياه محددًا أساسيًّا لاختيار فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود .كما يمتلك الكيان الصهيوني تصورًا نحو مشروع مائي ضخم تبلورت ملامحه بعد دراسات عديدة أُجريت بدايةً من عام 1938، أي قبل تأسيس دولتهم المزعومة إلى أن تمَّ نشره في عام 1990 كدراسة متكاملة تضمَّنت المزيد من السيطرة على نهر الليطاني اللبناني واستغلاله في توليد الكهرباء، بالإضافة إلى الحصول على حصة 0.5% من مياه النيل المصرية عبر صحراء النقب، كما شملت الخطة تشكيل هيئة مائية بين إسرائيل والأردن لاقتسام الحقوق المائية وتعظيم الاستفادة من نهر الأردن، وأخيرًا تضمن المشروع المائي الإسرائيلي تزويد الضفة وقطاع غزة بالمياه من مصدر خارجي.
وبحساب متوسط نصيب الفرد في إسرائيل من المياه نجد أنه يقبع تحت خط الفقر المائي، ما يهدِّد الموارد المائية العربية من استيلاء إسرائيل عليها لسد عجزها المائي، كما يؤكد في الوقت نفسه صعوبة تخلي الكيان الصهيوني عن أي مورد مائي عربي تم الاستيلاء عليه، فقضية المياه عند الكيان الإسرائيلي هي في حقيقتها قضية صراع على البقاء، لذلك يعد الحديث عن السلام بالنسبة إلى إسرائيل هو في حقيقته حديث عن المياه لا عن الأرض، فلو تصوَّرنا جدلًا إمكانية تنازل إسرائيل عن الجولان السوري أو عن جنوب لبنان أو حتى الضفة الغربية، فإنها قطعًا لن تتنازل عن قطرة ماء واحدة من الموارد المائية لتلك المصادر الثلاثة.
قضية المياه في الوطن العربي لا تنحصر فقط في النواحي الاقتصادية، ولكنها تكتسب أبعادًا سياسية وقانونية بل وعسكرية أيضًا، تتمثَّل في العديد من المعاهدات والاتفاقيات التي تنظم عملية الاستفادة من الأنهار التي تمر عبر أكثر من دولة، لا سيما أن كل المجاري النهرية تقريبًا تنبع من مناطق غير عربية، وإذا أضفنا إلى ذلك اغتصاب الكيان الصهيوني لموارد مياه عربية في سوريا والأردن ولبنان والمياه الجوفية الفلسطينية، بالإضافة إلى سعيه الحثيث بصورة أو بأخرى للوصول إلى مياه نهر النيل، نجد أن قضية المياه في الوطن العربي اكتسبت طابعًا عسكريًّا أيضًا يتمثَّل في الصراع العربي الإسرائيلي.
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق