يحسن بنا ان نفحص عن قيمة الفلسفة و عن الاسباب التي تدعو الى شغف دراستها ؛ ومما يجعل تدبر هذه المسالة ضروريا هو ان الكثير من الناس تحت تاثير العلم والشؤون العلمية يجنحون الى الشك في الفلسفة ؛ ويسالون اهي شيء اكثر من دراسات تافهة عميقة على براءتها وتحديدات محيرة مربكة ومناظرات حول امور من المستحيل الوصول الى معرفتها؟.
ويبدو ان هذه النظرة للفلسفة ؛انما تاتي من تصور خاطيء لغايات الحياة ولانواع الحاجات التي تسعى الفلسفة الى بلوغها .والعلم الطبيعي نافع لعدد لا يحصى من الناس الذين يجهلونه تمام الجهل وذالك عن طريق المخترعات التي انتجها ؛ولهذا فدراسة العلم لا يحض عليها لمجرد تاثيرها على دارسيها فقط ؛بل لما تتركه من اثر في حياة الانسانية عامة ؛وذالك عن طريق تاثيرها في دارسيها .
واذا اردنا ان نلتمس قيمة الفلسفة فانما نلتمسها اولا في هذا التاثير .وفوق هذا فاننا اذا اردنا ان نتجنب الفشل في تحديد ما يكون للفلسفة من قيمة ؛ فيجب ان نجرد عقولنا اولا من الاحكام المسبقة التي يتمسك بها اولءك الذين يسمون خطا رجالا عمليين ؛ فالرجا العملي تبعا للاستعمال العام لهذا اللفظ هو الذي لا يعترف الا بالحاجات المادية ؛فيرى ان الناس لابد ان يصيبوا غذاء لاجسامهم و ينسى ان عقولهم تحتاج الى غذاء لها ايضا ؛
ولو كان جميع الناس على حال من اليسر والرخاء ؛وتم القضاء على الفقر والمرض الى اقصى ما يمكن ؛ لبقي الكثير مما لابد من القيام به لايجاد مجتمع فاضل ؛بل ان حاجات العقل حتى في العالم الحاضر لا تقل في اهميتها على الاقل عن حاجات البدن .وانما تكون قيمة الفلسفة في صلتها بحاجات العقل فقط؛ولا يؤمن بدراسة الفلسفة ويكبرها عن ان تكون مضيعة للوقت الا الذين يابهون بحاجات العقل ويقدرونها .
ان الفلسفة ترمي اولا الى المعرفة ؛شانها شان ساءر الدراسات.والمعرفة التي تصبو اليها انما هي ذالك النوع من المعرفة الذي يكسب مجموعة العلوم وحدة ويضفي عليها نظاما ؛ذالك النوع الذي ياتي من التمحيص الدقيق والنقد النافد للاسس التي تقوم عليها اراؤنا واحكامنا ومعتقداتنا ؛غير انه لا يمكن ان يقال ان الفلسفة قد نجحت نجاحا كبيرا في محاولتها الاجابة عن مثل هذه المساءل اجابة دقيقة محددة.
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق