سبع عجاف

بسسبعٌ عجاف

٢٠_١_٢٠١٥

في صباح ذلك اليوم ساقتني قدماي للسير باتجاه المقبرة المجاورة لقريتنا(الخوين) ؛ زرت قبر ابن أخي(يامن) وجلست بين القبور في ذلك اليوم الدافئ؛ الشمس ساطعة وكانون أقل قسوة على غير عادة.

عزمت العودة إلى البيت ولكن لا أعرف لأي سبب قررت الذهاب إلى السوق ؛ السوق الذي سيعرفه العالم بعد ساعات قليلة ؛وسينساه أيضا بعد أيام قليلة.

كنت أسير في الشارع لا لحاجة ولكن لقدر ساقني لأكون حاظراً تلك اللحظة التي ستتحول للحظة تأريخ لتل حميس وريفها بل لسوريا حينما تعد مجازرها الكثيرة على يد هذا النظام الجزار لابد أن تذكر تيماء من بين مئات المجازر التي أخذت فلذات أكبادنا .

كان كل شيء يسير بشكله الطبيعي في صبيحة ذلك اليوم الوقت كان قبيل الظهر ؛ الأغنام في مرابطها ؛البيع والشراء على قدم وساق؛ بائع الخبز ينادي بخبزه الطازج ؛ وبائع اللبن في مكانه المعتاد ؛ بسطات متعددة لأناس جاؤوا من كل القرى سعياً وراء لقمة العيش الكفاف .

الحي ليس له قاتل مثل من الأمثال الشعبية وهو من صميم القضاء والقدر غادرت السوق قبل لحظات من تلك اللحظة ابتعدت قرابة المئة متر ثم.......

٢٠-١-٢٠٢٢

مرت سبع سنوات عجاف على تلك اللحظة...سبع سنين ولازلت تلك اللحظة محفورة ً في ذاكرتي وذاكرة كل أبناء تل حميس وريفها؛ لازالت تطاردني ؛ قررت اليوم بعد سبع سنين أن أثقب ذاكرتي بقلمي ؛ في ذكرى رحيلهم رحلوا بصمت رغم دوي ذلك الإنفجار ، المئات ذهبوا للقاء ربهم يحملون بين جراحهم سؤالاً لخالقهم يارب فيما قُتلنا؟؟

المئات في ذلك اليوم من السعاة وراء لقمة العيش التي غمست بدمائهم ،امتزجت مع اللبن والبنزين والخبز ....ثم.....

_ كانت الطائرة تحلق على علوٍ مرتفع وجلبة الباعة وأصواتهم حالت دون سماع صوتها ....صوت الموت كان صوت الصاروخ الذي أطلقته الطائرة هو الصوت الوحيد الذي سمعناه ثوانٍ معدودة ربما ثلاث أو أقل ...التصقت بالأرض ووضعت يداي على رأسي،

ثم يدوي إنفجارٌ قوي لازال صداه في الذاكرة بعد سبع سنين، ألسنة اللهب ترتفع والدخان يملأ المكان ،

هرعت إلى مكان الإنفجار.... رأيت رجلاً شطر نصفين لازالت بقايا روحه معلقةً فيه يزحف نصفه مبتعداً عن نصفه الآخر، ورجل مفصول الرأس لازال جسده يتحرك ، ورجل بترت يداه،وآخر النيران تشتعل فيه وهو يركض من شدة الألم ، وآخر ينزف من كل أنحاء جسده .........تحول ذلك المكان بركة من اللحم البشري والدماء الممزوج مع لحم المواشي ودماؤها والنار والدخان يملآن المكان.

كثيرٌ من الجثث لم يتم التعريف عليها إلا بمشقة ،مع كل جثةتحاول التعرف عليها قلبك ينبض بشدة فلربما تقلب الجثة فترى وجه أخيك أو ابن عمك أو صديقك....سامي ....صالح ..عادل ....عايد...ماجد...مثقال...جنيدي....القائمة تطول تتجاوز المئة هذه ليست أسماء من رواية ألفها كاتب من وحي خياله ،إنها لأشخاص لديهم آباء وأمهات وزوجات وأولاد لديهم أحلامهم وآمالهم لديهم مستقبل مثلهم مثل كل بني جلدتهم ....لقد خلّفوا  فينا غصةً مثل مرضٍ عضال لا علاج له يبقى مع صاحبه حتى يدخله القبر .

لكي تتصور حجم الألم الذي لايزال يحدثه هذا الصاروخ في وجدان هذه المنطقة التي خلقت خارج إطار الزمن ربما سبق وجودها الزمن ،منسية منكوبة نائية ،اجلس الآن مع ذوي أي واحدٍ من الضحايا واستمع لآهاته ،لكأنما الصاروخ الآن شق صدره وانفجر فيه..

قضوا جميعا وعند الله تجتمع الخصوم.

 

غرناطة ٢٠-١-٢٠٢٢

بقلمي: سامر السالم.

أعجبك المقال , قم بالان بالاشتراك في النشرة البريدية للتوصل بالمزيد

التعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق

عن الناشر
مقالات حالية
أبريل 18, 2024, 10:49 ص عبدالرحمن
مارس 30, 2024, 2:32 م Shady Shaker
مارس 27, 2024, 1:58 ص نوره محمد
فبراير 28, 2024, 11:35 ص بسيونى كشك
فبراير 28, 2024, 11:31 ص بسيونى كشك
فبراير 28, 2024, 11:25 ص بسيونى كشك
فبراير 22, 2024, 7:36 م بسيونى كشك
فبراير 21, 2024, 9:31 م بسيونى كشك