قصة قصيرة بعنوان ( لاتنظر بعين الشفقة ، وانما أنظر بعين المسؤلية ! )
كتبت: منار سليم
أثناء ذهابي لمحطة القطار ، اذ وجدت صغيرة تمشي أمامي علي عجلة من أمرها تجاه المقصد ذاته فما تبقي الا دقائق قليلة ويسير القطار، طفلة صغيرة ولكن حالتها تنطق بغير ذلك ؛ فكانت ترتدي نعلين باليتين تكاد من قدم استعمالهما أن ينشقا أجزاء متفرقة بكل قدم تخطو بهما ، وعن ثيابها الممزقة فلم تكن بحالة أفضل من هذين النعلين ، فقد كانت ثياب كالخرقات المرقعة التي أصبحت كالخيش الممزق تمزيقا ليس بسيطا .
كانت تحمل الصغيرة صندوق كبير من الجرائد واللعب وبعض الاشياء الأخري ، فقد ظننت في البداية أنها لن تبيعهما بنفسها وأنها سوف تنقلهما لأحد الباعة فهي طفلة في الحادية عشرة من العمر ما لها بأشغال البيع والشراء ، أليست من حقها بهذا السن؟! أن تلعب مع صديقاتها وأن تتلقي الدروس لكي تصبح نجم من نجوم ساحة العمل المهني الذي يضمن للانسان حقه وسط بيئة تتضارب بها المصالح الشخصية علي المصلحة العامة .
وبعد أن وصلت الي المحطة واتخذت مقعدا في القطار وبدا القطار في التحرك ؛ اذ سمعت أصوات عالية أصوات تتصارع وكأنهم لم يجدوا حدث يشغلهم قبل هذا ؛ ليحققوا به أطماعهم الذاتية وليثبتوا به قدراتهم لرفع أصواتهم لجذب انتباه جمهور لا يعرف الا التدندن بالكلام الذي لا فائدة منه ، ولكن لم أرغب بمعرفة قصة شجارهم .
فهذا أمر من الطبيعي جدا أن يتواجد في الأماكن التي تضم اختلاف في الطبقات الاجتماعية ، ولانستطيع أن نلقي اللوم علي أحد هذه الطبقات في حدوث المشاحنات فيما بينهم ؛ فالحياة لا تستقيم لجبه دون الأخري ، فقد فاجئني خروج الصغيرة التي قد سبق ورئيتها قبل صعودي للقطار حزينة يكاد أن ينفطر الدم من وجهها انفطار الماء من حجر يكتم انبعاثه من أسفله ،وهنا اتضح لي انها ضحية هذا الشجار فحزنت عليها لانها لا تقوي علي رد الأذي عن نفسها ولا يوجد معها من يناصرها .
انها وحيدة وسط بيئة مليئة بالنفوس السوداء، وما لبست الا أن باشرت بتوزيع الجرائد علي الركاب حتي حان دوري وقالت لي بصوت باهت رقيق مملوء بكل نغمات الحزن والالم من واقعها المرير الذي فرض عليها تحمل غلاظات البشر الغبية ، هل تريد جرائد يا سيدي؟ فأخذت منها الجريدة ، فما أن وضعت يدي علي كتفها وقلت لها بكل عطف وحنان بل ماذا اصابكي يا صغيرتي ؟ كي تكوني بكل هذا الحزن والألم ! فلم تتمالك هذه الصغيرة نفسها التي ينقصها الحب والحنان فهذه علي الأغلب أول مرة تسأل عن نفسها ،وبدأ جبلا من الدموع ينهمر من ثقبين صغيرين ليملأ الكون حزن من نظرة واحدة لهذه الطفلة ! كانت صامتة وكأنها تخشي السقوط .
اذا باحت بشىء من عواطفها الطفولية واحتياجاتها كطفلة صغيرة للحب والرعاية، حقا لم يدور حديثا شفهيا بذلك بيننا وانما كانت تستجيب لغة العيون مع بعضها لتفهم كلا منهما الاخر ، وكأننا نعرف بعضنا منذ أن تفقدنا الدنيا بأرواحنا ! فهذا الزمن لا يعرف الا القسوة علي الفقير وأن يكون عبدا للغني المتسلط .
كانت الفتاة بريئة لا تعرف كم أن البشر جبناء ؟! لا تعرف أن هؤلاء الذين تقول لهم سيدي ، لا يعرفون للانسانية طريق !، ذهبت عني الفتاة للتبيع لأخر بضاعتها والألام تعتصر فؤادها ، تبكي لحالة النفور واللامبالاه لمشاعر الاخرين الذي ساد هذا المجتمع ! .
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق