ما الفرق بين الحلم والكابوس والرؤيا
خلق الله النهار، وجعله نورًا لتسعى الناس فيه، وتكد، وتعمل، كي تؤمن معاش يومها.
{ وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً } النبأ : ( 11 ).
وخلق الليل، وجعله ظلامًا وسكونًا لتستريح الأعين والأجساد، فالنوم وسيلة إلهية لراحة الجسد وترميم وتجديد خلاياه.
{ وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً } النبأ : ( 10 ).
والأيات القرآنية على هذا النحو كثيرة جدًا، وهى تحث الناس جميعًا على التفكير فى أمور الليل والنهار، وحال اليقظة وحال النوم، يقول الله تعالى :
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يونس : ( 67 ).
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } القصص : ( 72 ).
{ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } النمل : ( 86 ).
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا } الفرقان:(47).
فالنوم راحة للجسد، والعقل، ولكن الثابت علميًا أن هناك تغييرات كيميائية تحدث في الدماغ خلال فترة النوم، ولذلك يرى النائم صورًا وأحداثًا بعضها في سياق متسق وبعضها غير ذلك، كما أن هذه الصور والأحداث منها ما هو مزعج ومنها ما هو سار لذلك فما يراه النائم خلال تلك الفترة له مسميات ثلاثة :
ـ الحلم والجمع أحلام.
ـ الكابوس والجمع كوابيس.
ـ الرؤيا والجمع رؤى.
وبلا شك تختلف الأحلام عن الكوابيس عن الرؤى، ولكل منهم تفسير مختلف وسنحاول عبر السطور الأتية توضيح كل منهم على حدة، ثم نصل سويًا إلى معرفة الفرق بينهم.
أولا : الحلم :
معنى الحلم في معجم المعاني الجامع :
الحلم : ما يراه النائم في نومه والجمع : أحلام.
أضغاث أحلام : ما كان منها ملتبسًا مضطربًا يصعب تأويله.
يجب أن نتفق بدايةً على أن كل ما يراه الإنسان خلال فترة النوم يسمى " رؤيا " ولكن المشهور لدى عامة الناس تسميات الحلم ـ الكابوس ـ الرؤيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين فمن الشيطان فمن رأى ما يكره فليقم فليصل ".
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن أدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ". ومن الأحاديث السابق ذكرها يتضح لنا جليًا أن الحلم هو ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه.
وهناك تعريفات عدة للحلم من منظور علم النفس :
ـ الحلم هو طريقة للتوازن العاطفي التي يقوم بها العقل من خلال عمل دمج بين الأفكار والمشاعر والظروف الصعبة والخبرات.
ـ هو حالة من الوعي المختلف يقوم بجمع الماضي والحاضر والمستقبل لتجمع معلومات ما مضى وما يحدث للإستعداد لما سيحدث.
ـ الأحلام ما هى إلا إستجابة لتغييرات كيميائية وحيوية ونبضات كهربائية تحدث خلا فترة النوم.
تعريف سيجموند فرويد:
الحلم ظاهرة نفسية وأن عقول الناس تحتضن أشياء معينة يعرفونها دون أن يدركوا ذلك، فالحالم يشتق حلمه من مجموعة من الأفكار والإهتمامات الحبيسة في عقله دون أن يدرك ذلك، وتظهر له في الحلم بذلك الشكل الذي يراها وهذا يسمى اللاوعي ـ ( كتاب محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي ).
تعريف إدلر:
الأحلام هى عبارة عن تحقيق نقص يواجه الإنسان في حياته.
بمعنى أن الأحلام عند " إدلر " هى متنفس يعوض فيه الإنسان النقص الذي يعانيه في حال اليقظة فنرى مثلًا الإنسان الذي يرى نفسه ضعيفًا تكون أحلامه مليئة باحداث تظهر قوته، وكذلك الإنسان الغير محبوب مثلًا تراه يرى نفسه دائمًا في أحلامه إنسانًا مقبولًا ومحبوبًا من الجميع وهكذا.
نهاية القول أن الأحلام هى من فعل العقل، وما يراه الشخص في حال اليقظة، بمعنى أدق فالأحلام هى عصير اليوم أو الزمن، وما يخزنه الإنسان في عقله الباطن " اللاوعي " ويخرج في شكل صور وأحداث خلال فترة النوم.
ثانيا : الكابوس :
معنى الكابوس في معجم المعاني الجامع :
الكابوس : ضغط يقع على صدر النائم لا يقدر معه أن يتحرك، قيل ليس بعربي، وهو بالعربية الجاثوم، والباروك، والنئدلان.
والكابوس كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أهاويل الشيطان، فالكابوس أمر مزعج، كأن يرى النائم نفسه مخنوقًا، أو يرى نفسه عاجزًا عن الصراخ أو القيام أو الحركة، أو أن يرى أمورًا مفزعة تسبب له القلق والفزع والإزعاج كأحداث محزنة ومأساوية، فيستيقظ مهمومًا، حزينًا، وهذا هو غرض الشيطان.
الأسباب التي تؤدي إلى الكابوس :
ـ القلق وما يصاحبه من حالة مزاجية سيئة.
ـ الآثار الجانبية لبعض الأدوية وخاصة أدوية الإكتئاب والمهدئات.
ـ الإمتناع بشكل مفاجئ عن الأدوية الجالبة للنوم.
ـ بسبب فقدان الأحبة والمقربين.
ـ الإفراط المتزايد في شرب الكحوليات.
ثالثًا : الرؤيا :
معنى الرؤيا في معجم المعاني الجامع :
الرؤيا والجمع : رؤى، ما يراه النائم في المنام.
{ لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } الفتح : ( 27 ).
الأيات القرآنية التي تتكلم عن الرؤيا
{ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } الأنفال : ( 43 ).
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } الصافات ؛ ( 102 )
{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } يوسف : ( 4 ).
{ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } يوسف : ( 36 ).
{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ }
يوسف : ( 43)
إذن الرؤيا هى من الله، يريها الله لمن أراد من عباده الصالحين في منامهم، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ". متفق عليه.
وعن أبي قتادة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلمًا يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره " رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الرؤيا ثلاث فبشرى من الله، وحديث النفس وتخويف من الشيطان فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقص إن شاء الله وإن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي ". صحيح سنن ابن ماجه
خاتـمة :
والأن لكي نعرف الفرق بين الحلم والكابوس والرؤيا، لا أجد أصدق من كلام سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إن الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها أبن أدم ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة " صحيح سنن ابن ماجه.
وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لإعرابي جاءه فقال إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام ".
" الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن أدم " وهذا هو الكابوس، الحلم المزعج، وهو من الشيطان.
" ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه " وهذا هو الحلم وباعثه الأول هو العقل الباطن، حيث هو المخزن الذي يحوي كل المشاهد والأحداث والخبرات التي يمر بها الإنسان في يومه وفي حياته كلها.
" ومنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ". وهذه هى الرؤيا، وهى من الله وهى الباقية حتى تقوم الساعة.
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق