مذكرات جندي مقاتل مصرى

مذكرات جندي مقاتل مصرى

 

 من كتاب مذكرات جندى مصرى أثناء حرب الاستنزاف  :- 

- على مدار مذكراته ينبهنا كاتبها أحمد حجي أن كل تلك المعاناة من هول الحرب، “تجعل المقاتل على الجبهة يتحول إلى إنسان جديد، بعد أن تعيد لحظة الخطر خلقه”، ولذلك يحكي عما رآه بعينيه من بطولات مدهشة لأناس عاديين، جعلتهم الجبهة يشعرون بأنهم يحملون مصر كلها في قلوبهم، ويرونها في عز الظلام بشكل أوضح من الذين يجلسون على مقاهيها في عز النور، ويدرك أنه لا يملك حلاًّ لمشاكل الوطن الداخلية إلا بالمزيد من القتال، فنقرأ له وهو يروي لنا عن: قائد مدفع بترت صواريخ الطائرات المعادية ذراعيه، فثبّت قدميه على المدفع وأسقط طائرة.

جنود يعبرون القناة في جنح الظلام وينفذون عمليات فدائية خاطفة ويعودون سريعًا قبل أن يتبينوا مدى نجاح ما قاموا به، لكنهم يدركونه حين يشتد عليهم قصف الطائرات المجنون خلال عودتهم، فيشعرون بالسعادة الغامرة في عز تعرضهم للقصف المميت. جندي يحمي ظهر زملائه بعد أن انكشف خط عودتهم بعد عبورهم القناة وتنفيذهم عملية خلف خطوط العدو، يرفض كل الأوامر بالانسحاب ويستشهد ويغرق في قاع القناة، وتطفو جثته على سطحها بعد أسبوعين وهو لايزال قابضًا على بندقيته بقوة، ليسحب الجثة زملاؤه ويكتشفوا إصابته برصاصتين في رأسه. جندي يرفض ترك مدفعه تحت القصف ويستمر في إطلاق القذائف، ليخرج رفاقه من الملجأ بعد انتهاء القصف فيجدوه قد فارق الحياة، بعد أن شجّت شظية رأسه، وهو يحتضن مدفعه، “ليهب دمُه رفاقَه شجاعة ونورًا”، وينطلقون لقصف مواقع العدو بشراسة حتى يأتيهم النبأ من القيادة بأنها تدمرت تمامًا.

جندي يذهب كل صباح ليغرس جريدتين خضراوين على قبر صنعه لكلبه الذي مات إثر إصابته بشظية من شظايا العدو. جندي يطلب من حجي كتابة رسالة إلى أهل قريته يعدهم فيها بأنه سيلبي طلبهم بإحضار رأس موشي ديان. قائد مدفع يرفض أن يكون أولوية للإسعاف بعد أن بترت ذراعه اليمنى وأصيبت كتفه اليسرى بشظية أحدثت فيه جرحًا عميقًا، طالبًا من حجي أن يبدأ بتضميد جراح من لايزالوا قادرين على القتال، مضيفًا بهدوء شديد “ماذا سيفعلون بي أكثر من ذلك، وما فائدة الحياة بدون ذراعين”.

- يروي حجي وقائع خلاف شديد دار بين الجنود وبين شيخ قادم من القاهرة، حين طلب الشيخ من الجنود التجمع للصلاة فيرفضون لأنهم بتجمعهم يقدمون خدمة للعدو لكي تحصده مدافعهم، وحين يقول لهم الشيخ أن ذلك لو حدث سيكون لأن الله غير راضٍ عنهم، يحتد عليه جندي استشهد شقيقه في منطقة أخرى قائلاً له: “هل رأيت تحصيناتنا؟ هل رأيت الجندي الذي تطالبه بالرجوع إلى الله وكأن حالته البائسة كفر قد تسبب فيه لنفسه؟” وحين يشكو الشيخ في يوم تالٍ من رفض الجنود التجمع للصلاة، يدوي القصف الشرس على الموقع، فيدرك الشيخ أن ما كان يفكر فيه كان خطئًا، وأن حديث الجنود عن تسهيل التجمع لاستهدافهم عسكريًّا، كان أصدق وأصوب، فيخلع جبته وعمامته ويبدأ في حمل صناديق الذخيرة لتسليمها إلى جندي التعمير وهو يهتف “الله يقويكم. الله يقويكم يا أولادي!”.

- يظل أكثر جزء في المذكرات إدهاشًا وإيلامًا، هو ذلك الذي يروي فيه أحمد حجي قصة مقاتلين صديقين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، وثقت ظروف النشأة المتشابهة من صداقتهما، فقد كان أحدهما يحمل دبلوم تجارة والآخر دبلوم معلمين، وكان كلاهما يعول أسرته بعد موت والده، ومع ذلك فقد كانا الأكثر مرحًا وكأنهما لم يعرفا الألم قط،  وحين طلب منهما قائد الموقع ذات يوم، أن يختفيا في الخندق قبل وصول الطائرات، أصرا على إطلاق قذيفة أولاً قبل الاختباء، فقتلهما قصف الطائرة الذي كان أسرع من قذيفتهما، وبعد استشهادهما قال أحد أفراد الكتيبة كأنه يعزي زملاءه “كانا بطلين .

 

على الأقل لم يفرا مثلما فر جندي التعمير في الكتيبة المجاورة”، في إشارة منه إلى جندي تعمير مدفع هرب قبل ثلاثة أسابيع، وأصبح مثلاً للجبن والضعف، وجلب لزملاء كتيبته السخرية، وبعد فترة من تلك الواقعة، لاحظ حجي قيام أحد الكلاب بالنبش في كوم طين ضخم صنعه قصف القنابل، فأمر جنديًّا بحفر المكان، ليصطدم الجاروف بخوذة جندي كانت جثته قد بدأت في التحلل، ويكتشف الجميع أنه جندي التعمير الذي كان عرضة للشتائم، كانت في يده قبضة من طين وبجوار اليد الأخرى قذيفة فارغة، وحين رآه الجميع بكوا بحرقة، وهتف بداخل أحمد حجي هاتف يقول “يبدو أننا أكبر مما نظن”.

ينهي أحمد حجي مذكراته بمشهد مهيب يودع فيه المقاتلون المدافع القديمة التي ستخرج من الخدمة، بعد وصول أسلحة جديدة متقدمة، فيقبلونها وهم يبكون قبل أن تختفي في ظلمة الليل خلف العربات العسكرية، قائلاً: “ألم تحمِ كرامتنا؟ ألم تستجب لنجوانا؟ ألم تعطنا خير ما لديها؟ يجب أن يكون الإنسان وفيًّا حتى للصخر، ليكون جديرًا بالحياة، وقبل أن نغادر الموقع، وقفنا لحظات من الحزن العميق والصمت على أرواح شهدائنا التي فاضت في هذا المكان، وتذكرنا جرحانا الراقدين الآن تحت السلاح، وقلنا دون أن ننطق: إننا دائمًا سنكون رجالاً كما كانوا هم تمامًا”.

أعجبك المقال , قم بالان بالاشتراك في النشرة البريدية للتوصل بالمزيد

التعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق

مقالات مشابة
مقالات حالية
أبريل 18, 2024, 10:49 ص عبدالرحمن
مارس 30, 2024, 2:32 م Shady Shaker
مارس 27, 2024, 1:58 ص نوره محمد
فبراير 28, 2024, 11:35 ص بسيونى كشك
فبراير 28, 2024, 11:31 ص بسيونى كشك
فبراير 28, 2024, 11:25 ص بسيونى كشك
فبراير 22, 2024, 7:36 م بسيونى كشك
فبراير 21, 2024, 9:31 م بسيونى كشك