علامات ليلة القدر
حُصِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَك .
وَلَم يتقصر الْأَمْر عَلَيَّ هَذَا التَّحْدِيدُ بَلْ هُنَاكَ أَمَارَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ .
وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ مُقَارَنَة بِفَضْلِهَا وعظمتها وَبِالنَّظَرِ فِي عَظِيمِ أَجْرُهَا لَهِي أَهْلًا لَأَنْ يتحرها الْعِبَاد وَيَجْتَهِد لِأَجْلِهَا الْعُقَلَاءِ فَلَا يَحْرُمُ مِنْ فَضْلِهَا إلَّا مَحْرُومٌ .
علامات ليلة القدر
وَهُنَاك عَلَامَات فِي أَثْنَائِهَا ، وَعَلَامَة بَعْدَ انْقِضَائِهَا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّد وَيَنْشَط وَلِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَبْشِر وَيُتْقِن .
فليْلةُ القَدرِ لَهَا قَدْرٌ عَظيمٌ وشأنٌ كبيرٌ ، وقدْ عظَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أمْرَها ، وأمَر بتَحرِّي ليْلتِها وقِيامِها إيمانًا واحتسابًا ، وقدْ حدَّدها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فِي اللَّيالِي الوِترِ مِن العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ ، وذَكَر لَهَا عَلاماتٍ تدُلُّ عَلَيْهَا .
فمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيلةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ البَواقي ، مَن قامهنَّ ابتِغاءَ حِسبتِهنَّ ، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِن ذَنبِه وَمَا تَأخَّرَ ، وَهِي لَيلةٌ وِترٌ : تِسعٌ ، أَو سَبعٌ ، أَو خامسةٌ ، أَو ثالثةٌ ، أَو آخِرُ لَيلةٍ ، وَقَال رسولُ اللهِ ﷺ : إنَّ أمارةَ لَيلةِ القَدْرِ أنَّها صافيةٌ بَلْجةٌ ، كأنَّ فِيهَا قَمرًا ساطعًا ، ساكنةٌ ساجيةٌ لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ ، وَلَا يَحِلُّ لكَوكبٍ أنْ يُرمى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصبِحَ ، وإنَّ أمارتَها أنَّ الشَّمسَ صَبيحتَها تَخرُجُ مُستَويةً لَيْسَ لَهَا شُعاعٌ ، مِثلَ القَمرِ لَيلةَ البَدرِ ، لَا يَحِلُّ للشَّيطانِ أنْ يَخرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذ .
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (٢٢٧٦٥) وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي « مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ » (١١١٩) ، وَالضِّيَاءُ فِي « الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ » (٣٤٢) •
قَالَ شُعَيْبُ الأرنؤوط (ت ١٤٣٨) ، في تَخْرِيج الْمُسْنَد ٢٢٧٦٥ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَدِيثِ حَسَنٌ ، وَأَمَّا الشَّطْرِ الثَّانِي فَمُحْتَمَلٌ لِلتَّحْسِين لشواهده .
وَعَن هَذِهِ الْعَلَامَاتُ يُخبِرُ أَبُو هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عَنْه أنَّه ذَكَرَ بَعضُهم لبَعضٍ ليْلةَ القَدرِ وشأْنَها وقدْرَها ، وفضْلَ القيامِ فِيهَا ، وعَلاماتِها عندَ رَسولِ اللهِ ﷺ ، فَقال النَّبيُّ ﷺ : « أَيُّكم يَذكُرُ حِينَ طَلعَ القَمرُ وهوَ مِثلُ شِقِّ جَفنةٍ ؟ » الشِّقُّ : النِّصفُ ، والجَفنةُ : وِعاءُ الطَّعامِ ، شبَّهَ القَمرَ وكأنَّه نِصفُ وِعاءِ الطَّعامِ ، وَالْمَعْنَى : أيُّكم يَذكُرُ اللَّيلةَ الَّتي ظهَرَ فِيهَا نِصفُ القَمرِ وكأنَّه يُشبِهُ نِصفَ وِعاءِ الطَّعامِ ؟ فهَذه كانتْ عَلامةَ ليْلةِ القَدْرِ فِي هَذَا الشَّهرِ المعلومِ عِندهم وَفِي تِلْكَ السَّنةِ ، أَو علامةً لِلَيلةِ القدْرِ فِي كلِّ الأعوامِ ، وَهَذَا دَليلٌ عَلَى أنَّ ليْلةَ القدْرِ مُتحقِّقةُ الرُّؤيةِ مَرئيَّةٌ يَتحقَّقُها مَن شَاء اللهُ .
وَعَلَامَة انْقِضَاء لَيْلَة القدر طُلُوعِ شَمْسٍ صَبيحتِها بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا وَدَلِيل ذلك : عَنْ أَبِي عقْرَبٍ الأسدِيِّ قَال أتَيْنا عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ فِي دارِهِ فوَجَدْناهُ فوقَ البيتِ قالَ فسَمعناهُ يقولُ قبلَ أنْ ينزِلَ صدَقَ اللهُ ورسولُهُ فلمّا نزلَ قلتُ يَا أَبَا عبدِ اللهِ سمعناكَ تقولُ صدقَ اللهُ ورسولُهُ قالَ : فقالَ ليلةُ القدرِ فِي النصفِ مِن السبْعِ الأواخِرِ ، وذلكَ أنَّ الشمسَ تطلُعُ يومئذٍ بيضاءَ لَا شُعاعَ لَهَا فنظرتُ إلَى الشمسِ فرأيْتُهُا كَمَا حُدِّثْتُ فكَبَّرْتُ .
أخرجه أحمد (٣٨٥٧)، والطيالسي في «المسند» (٣٩٤) باختلاف يسير، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٨٧٥٦) واللفظ له
قال شعيب الأرنؤوط (ت ١٤٣٨)، في تخريج صحيح ابن حبان ٣٦٩٠ إسناده صحيح على شرط البخاري .
ويَرْوي التَّابعيُّ زِرُّ بنُ حُبَيشٍ أنَّه سَأل أُبيَّ بنَ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه عن قَولِ عبدِ الله بنِ مَسعُودٍ رَضِي اللهُ عنه: إنَّ مَن يَقُمْ ليْالِيَ السَّنَةِ كلَّها فإنَّه لا مَحالةَ سَيُصيبُ ليْلةَ القدْرِ في إحْدى لَيالِيها، دونَ أنْ يُسمِّيَ لهم تلك اللَّيلةَ، وهذا يُفهَمُ منه أنَّه يَرى أنَّها ليْلةٌ مُبهَمةٌ تَدورُ في تَمامِ السَّنةِ، ولا تَختَصُّ برَمضانَ.
فلمَّا سَمِع ذلك أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ رَضِي اللهُ عنه دَعا لابنِ مَسعودٍ رَضِي اللهُ عنه أنْ يَرحَمَه اللهُ، وهذا دُعاءُ العارفِ بمَغزَى قولِ ابنِ مَسعودٍ، ومِن بابِ الاعتذارِ له، ثمَّ وضَّح أنَّ ابنَ مَسعودٍ رَضِي اللهُ عنه أراد بقولِه ذلك ألَّا يَترُكَ النَّاسُ قِيامَ الليلِ انتظارًا لِمَجِيءِ ليْلةِ القدْرِ، فيَقوموها وحْدَها أو يُقَصِّروا في قِيامِ بقيَّةِ لَيالي السَّنةِ، فتَفوتَ حِكمةُ الإبهامِ الَّذي نُسِّيَ بسَببِها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأراد بذلك أنْ يَجعَلَ النَّاسَ في اجتهادٍ وتَحرٍّ بكَثرةِ القيامِ لِتَدارُكِ تلك اللَّيلةِ.
ثُمَّ أخبَرَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ ابنَ مَسعودٍ رَضِي اللهُ عنه يَعْلَمُ أنَّها في رَمَضَانَ، وأنَّها في العَشْرِ الأواخِرِ، وأنَّها ليْلةُ سَبْعٍ وعشرين. ثُمَّ حَلَف أُبَيٌّ رَضِي اللهُ عنه حَلِفًا جازمًا مِن غيرِ أنْ يقولَ عَقِيبَه: إنْ شاء اللهُ «أنَّها ليْلةُ سَبْعٍ وعشرين»، فكان أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ رَضِي اللهُ عنه يَجزِمُ أنَّ ليْلةَ القدْرِ هي ليْلةُ سَبْعٍ وعِشرين مِن رمَضانَ، ويُقسِمُ على ذلك قَسَمًا مُؤكَّدًا.
فسَأله زِرُّ بنُ حُبَيْشٍ: ما دَليلُك على ذلك يا أبا المُنذِرِ؟ وهي كُنْيةُ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِي اللهُ عنه، قال أُبَيٌّ رَضِي اللهُ عنه: بالعَلامةِ -أو بالآيةِ- الَّتي أخبَرَنا رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وهي أنَّ الشَّمسَ تَطلُعُ صَبيحةَ هذه اللَّيلةِ لا شُعاعَ لها، بل تكونُ نَقيَّةً لا يُرَى لها أشعَّةٌ مُمتدَّةٌ، فيَنتشِرُ ضَوءُها بلا شُعاعٍ كما يُضيءُ القَمرُ بلا شُعاعٍ، والشُّعاعُ: ما تَرى مِن ضَوءِ الشَّمسِ مِثلَ الحبالِ والقُضبانِ مُتَّجِهةً إليك إذا نظَرْتَ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في تَحديدِ لَيلةِ القَدْرِ، وأرْجى الأقوالِ أنَّها في أوتارِ العَشْرِ الأواخِرِ، كما بيَّنَتْها السُّنَّةُ المُطَهَّرةُ، ومِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنَّه أخْفاها عنِ النَّاسِ؛ لكيْ يَجتَهِدوا في الْتِماسِها في اللَّيالي، فيُكثِروا مِن العِبادةِ الَّتي تَعودُ عليهمْ بالنَّفعِ.
وَجَمْعُه : عُمَر عَرَفَات
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق