لماذا نتعرض لمصائب أو لظروف صعبة؟
المصائب التى تحدث لنا أو الظروف الصعبة التى نمر بها هى بعينها الابتلاءات المكتوبة علينا فى هذه الحياة، فالمرض ابتلاء، والفقر ابتلاء، والديون ابتلاء، وغلاء الأسعار؛ والظلم ابتلاء، وضيق الرزق ابتلاء، موت إنسان عزيز ابتلاء، وغيرها.
ويأتى التساؤل هنا؛ لماذا نتعرض للابتلاء؟ وإذا كنت ممن يتدبر فى آيات القرآن فأنت أكيد تعرف الإجابة، أماالذى يقرأ القرآن كالجرائد، فسيعرف معنا إن الإجابة موجوده فى كتاب الله العزيز، وموجوده أيضاً فى مقالة سابقة بعنوان (مواضع كشف الله للغيب)، وهى أن الله أخبرنا أن الدنيا عبارة عن اختبار كبير، والابتلاء هو الذى يبين حقيقة الإيمان داخل الإنسان ليفرق بين الكافر والمؤمن.
كذلك ففى لحظات الابتلاء يظهر المؤمن القوى من الضعيف، ويتضح المخلص فى العباده من المنافق، لهذا فوقوع الابتلاء أمر حتمى على كل إنسان.
لهذا علينا ألا نتعجب عندما نواجه ظروف معيشية صعبة فى حياتنا، أو تحدث لنا مصائب، وعلينا أن نُذكر أنفسنا أنه فى كل مرة نواجه شده من الشدائد والمصائب إنه جزء من الإختبار.
وتجدر الاشارة هنا إن الله عالم الغيب والشهادة أى هو فى غنى من أن ينتظر الابتلاء ليعلم المؤمن من الكافر، ولكن عدله يقتضى وقوع الابتلاء؛ وترك لعبده حرية التصرف حتى يحاسبه على أفعاله ليس على نيته، لهذا يعتبر الابتلاء حجة على العبد أى دليل إدانة، حتى لا يأتى يوم الحساب ويقول لم أكن لأفعل ذلك.
كيف تواجه الابتلاءات؟(الظروف الصعبة)
بماأن الظروف الصعبة هى الإبتلاء أى الإختبار المفروض على كل إنسان فى الدنيا، فمواجهته تكون بالصبر والإستعانة بالله.
والمفترض أن نتوقع حدوث عراقيل فى حياتنا فى أى وقت، خصوصاً إن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بوقوع الابتلاء مسبقاً، فأقرأ قوله تعالى فى سورة البقرة "وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ (155) ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ (156)أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ (157) "صدق الله العظيم
فالآيات الكريمة السابقة لخصت الأمر برمته، فلقد ذكرت أشد انواع الإبتلاءات ثم بشرت الصابرين عليها، الذين يرجعون إلى الله، فهؤلاء هم الفائزون برحمة الله عزوجل، وهكذا ينجح الإنسان فى الإختبار.
لهذا يجب علينا أن نتحلى بالصبر، والصبر ليست كلمة تقال باللسان؛ ولكنها تظهر بالأفعال فالمؤمن القوى هو الذى يتحمل ويواجه ويجاهد نفسه، لا أن يستسلم أو يهرب ويترك المشكلة تكبر ويختبىء.
ولا أنكر أن الأمر صعب، فأحياناً المرء رغم معرفته بكل هذه المعلومات يجزع ويهرب! فعليك فى هذه اللحظة أن تتوقف وتذكر نفسك إنها فى اختبار، وإن ماتمر به لن يدوم طويلاً؛ أخبر نفسك أنها ستعود لرحمة الله فى يوم من الأيام حيث السعادة الأبدية بلا شقاء.
كيف نتحلى بالصبر؟
عندما تشعر أن الصبر صعباً كأن تكون فقدت شخص عزيز عليك، أستعين بالله ليصبرك، وتذكر قوله تعالى فى سورة النحل{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} ﴿127﴾.
حاول أن تضطلع على تفسير الآية، لتعرف أنك لن تتحمل مشقة الصبر بمفردك بل برحمة الله وإعانته وحوله وقوته، فلا تخف فالله خير معين، ولن يتركك وحدك لو استغثت به.
وأحذر أن تُخادع نفسك بأن تكون صابر بلسانك فقط، وقلبك غير راضاً، فالصبر يجب أن يكون مسحوباً بطمأنينه داخليه وذلك يأتى بالثقة فى الله، فلو أنت تثق فى حكمة الله سترضى بقدره، فلو مات ابنك عليك أن تعلم إنه فى مكان أفضل، وسوف يجزيك الله على صبرك، ولو كان صغيراً فهو سوف يشفع لك لدخول الجنة، أمالو مات وهو شاب فتأكد من رحمة الله وإنه اختار ماهو أفضل له، وليصبرك الله.
كذلك لو تعرضت مثلاً لضائقه ماليه أو عجزت عن تحقيق حلمك أو تعرقل مشروعك لسبب خارج عن إرادتك، فمادام الأمر خارج عن إرادتك ولم يكن بسبب إهمال أو كسل فسلم أمرك لله، فماأدراك فلعله خير لك، أو كان ليدفع الضرر عنك.
فليس أى عرقلة تحدث لك تعنى اختبار محض؛ فقد تكون تدابير الله سبحانه وتعالى أختارت ماهو أفضل لك، فالله هو الذى عنده العلم كله، فالله هو الذى قال فى سورة البقرة" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(216) فبرغم أن القتال فى ظاهره شر إلا إنه خير عندما كتبه الله فى توقيت معين على المسلمين الأوائل.
ونستطيع أن نقيس على ذلك أشياء كثيرة، فقد تكون تحب فتاة وهى لا تصلح لك زوجة، فلاتسخط من الظروف التى أضعتها من يدك، وقد تكون هناك وظيفة ضاعت منك تظنها وظيفة أحلامك ولاتدرى إنها ستكون سبب فى شقائك.
وتذكر قصة سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر فى سورة الكهف، وتعلمنا من خلاله أن هناك ابتلاءات حدثت تبدو شراً فى ظاهرها والحقيقة إنها تخفى فى باطنها خيراً كبيراً! ومنها ماورد فى قوله تعالى:"أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا" (79)
فقصة أصحاب السفينة التى خرقها سيدنا الخضر حتى يُعيبها لكى لا يأخذها الملك الظالم غصبا،ً ففى هذه القصة أكبر مثال على حكمة الله، فمن ناحية قد يحزن أصحاب السفينة على ماحدث لهما، مع إنهم لو علموا الحقيقة لحمدوا الله كثيراً على ماحدث.
لهذا عليك أن تثق فى حكمة الله سبحانه وتعالى حتى ولو لم يكشف لك الله عن السبب، فالثقة فى الله لا تحتاج لمبرر أو شروط، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى يجب أن نستعين بالله فى مواجهة أى شدائد، ولقد ذكر الله حال المؤمنين الحق الواثقين فيه، حيث ورد فى سورة آل عمران فى قوله تعالى"الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"(١٧٣)
فالآية تصف الواثقين فى قدرة الله ورحمته، وأنهم لم يخشوا الضرر الذى يواجههم، واستعانوا بالله "وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) لهذا كان رد الله عليهم فى الآية التى تليها مباشرة ﴿فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهم سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾
والثقة بالله تأتى من حسن الظن به سبحانه وتعالى، فأحسن الظن بالله دائماً، وأعلم أنه يُنجى من يستغيث به، وهذا هو حال المؤمنين.
على عكس الكافرين الذين يعتقدون أن سبب ذكر الله المسبق بوقوع الإبتلاء هو تخويف عباده، وذلك كذب وافترء، فهم يدعون عكس الحقيقة، وهى أن الله رحيم بعباده لهذا يخبرهم بوقوع الإبتلاء قبل حدوثه ليقويهم، ويثبت الإيمان فى قلوبهم، حتى لا يخافوا ويضعفوا، بل ويكونوا مستعدين للمواجهة.
والدليل على ذلك أنه سبحانه وتعالى وضح أنه على العبد التمسك بالصبر فى مواجهة الإبتلاء، بل ويعين عبده على التحلى بالصبر، ولقد ورد ذكر الصبر فى مواضع كثيرة نذكر ماورد فى سورة البقرة{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[ ١٥٣]
الصبر ليس معناه الإستسلام:
ليس معنى إنك تصبر وتتوكل على الله وترمى حملك عليه، أنا تصلى وتنام وتدعو بدون أن تفعل شيئاً! فذلك يسمى تواكل واستسلام، وليس توكل.
فلو كانت محنتك أو الظروف الصعبة التى تمر بها تقتضى العمل كأن تكون طالب ورسبت فعليك بالمذاكرة والاجتهاد لتنجح، أو كنت مديون فعليك بالعمل أو البحث عن عمل إضافى لتسد دينك.
فالتوكل على الله يقتضى النهوض والأخذ بالأسباب حتى لو كنت مريض أو عندك إعاقة حاول قدر ماتستطيع والله هو المعين، وتذكر إنه مهما كان كربك كبير فالله أكبر.
ولتنتصر على ظروفك الصعبة لا تنظر لها إنها أقوى منك، لاتشعر بالعجز ولو شعرت بالفعل بعجزك تجاهل هذا الإحساس وتمسك بقوة الله وتوكل عليه وتيقن إنه سينصر.
ولقد أعطانا الله عزوجل مثال واقعى فى القرآن عندما قص لنا قصة جنود من بنى إسرائيل كانوا يحاربون مع سيدنا طالوت جزء منهم خافو واستسلموا، وقالوا كماجاء فى سورة البقرة "قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ" وبعضهم كان إيمانهم قوى، ولديهم ثقة فى الله، فقرأ قولهم فى نفس الآية
" كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"(٢٤٩)
وعندنا تقابلوا مع الأعداء وجه لوجه شعروا إن الأمر عظيم، ورغم ذلك لم يفروا ولكنهم صمدوا ودعوا الله أن يصبرهم ويقويهم وينصرهم على عدوهم وذلك فى قوله تعالى: "وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"٢٥٠ سورة البقرة
فلو تمعنا فى الآية نجدها تصور لنا حالة الجنود الداخلية "وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ"
وهنا لحظة الإلتقاء بالأعداء، فطبقاً لتفسير البغوى مَعْنَى بَرَزُوا: صَارُوا بِالْبِرَازِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ وَاسْتَوَى منها، أى تقابلوا مع الأعداء بدون أى ساتر أو حجاب،
﴿ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا ﴾: أَنْزَلَ واصبب صَبْرًا: ماذا تعنى أفرغ أو اصبب؟ فعندما نقول أفرغ ماداخل كوب الماء معناه إنك ستصب الكوب بأكمله، كأنهم أردوا أن ينزل الله عليهم صبر كثيراً بحيث يشملهم
(وَثَبِّتْ أَقْدامَنا): قوّ قُلُوبَنَا، أى يقويها، وهذا مانقصده فهم مع صبرهم أخذوا بالأسباب وحملوا السلاح وذهبوا لمقابلة الأعداء، وصمدوا وعندما شعروا بالخوف دعوا الله بالثبات حتى لايهربوا، ثم جاءت آخر الآية ﴿ وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ﴾.
وهنا يعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف ننجو من المصائب وننتصر على الظروف الصعبة والمصائب فأولاً: علينا بالصبر لنهدأ ونقدر أن نتعامل مع الابتلاء.
ثانياً: الإستعانة بالله ليعيننا على الصبر لنصمد ونظل صابرين ولا نجزع ونمل، ثم نواجه ونأخذ بالأسباب.
ثالثاً: ندعو الله بيقين، ولعل هذا ماجاء بالتريب فى الآية السابقة، فهم دعوا الله بالصبر ثم بالثبات ثم بالنصر.
وفى ختام نستخلص من كل ماسبق إن على المؤمن الحق الصبر على الإبتلاء، واليقين فى الدعاء حتى لو تأخر القبول، وعليه التوكل على الرحمن لأنه يثق إنه سينجيه، ويثق أن ماهو فيه مجرد فترة مؤقته حتى لو طالت، ولو صبر عليها واتقى الله، سينال عظيم الأجر، لأن الله بشر الصابرين، فعليه أن يذكر نفسه أن الدنيا عبارة عن امتحان فإذا نجح فيه سيفوز بالجنة.
بقلم: منة الله بنت محمد
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق