أجيالاً متعاقبة جيل وراء جيل، وكل من على الأرض قد نسي عهد الله الذي عهده لآدم و من خلفه شيث و إدريس عليهم السلام ، ولم يكن بمقدور إبليس أن يترك ذرية آدم تعيش في سلام، تنعم بنعم خالقها، أو تذكر عطف الله عليها، و لقد كانت في قصة هذا النبي الكثير من الأحداث، والأسرار، التي تعطينا دروساً كثيرة في حياتنا، و تبقى منهجاً سليما لكل ذى عقل يفكر، كان ملخص تلك الحياة أنه بقدر إن الله غفور رحيم؛ فهو منتقم جبار، و بقدر إمهال الله للعبد ؛ بقدر سرعة العقاب و شدته، والي جانب ذلك أيضاً فقد أراد الله أن يطهر كونه كله من دنس أصبح منتشراً على وجه الارض، وان تكون الذرية الأتية من صلب أقوام مؤمنين، ليس على الإنسان فحسب، بل على كل المخلوقات، و أن يطهر الله الأرض من أقوم، لم يرضخوا لدعوة نبيهم قروناً من الزمان ، فأمر الله نبيه بأن يصنع الفلك بنفسه، و بوحي منه لتكون بداية لحياة جديدة، لا يكون فيها إلّا من يؤمن بالله حق الإيمان. . . فهيا بنا نقتطف بعضاً من قصة سيدنا نوح عليه السلام، و معرفة بعض الأسرار عن النبي الوحيد الذي اتفقت كل الديانات و الحضارات القديمة عليه دون خلاف وعلي أكثر ابنى آدم عمرا.
إلى من أرسل نوح عليه السلام وكيف بدأت عبادة الأصنام ؟
ذكر الله تعالى أن قوم نوح كانوا هم أول من عبدوا الأصنام ، و جعلوا لها مسميات عديدة ، قال تعالى: ( و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواع و لا يغوث و يعوق و نسرا وقد أضلوا كثيرا)و كانوا أول مذهب طائفة من الصابئين، وقد ظهرت تلك الطائفة من الناس بحجة أنهم عجزوا عن معرفة الخالق ، فبدأوا بالتقرب إلى الله عن طريق الأشياء التي تقربهم إليه، فكان أول عبادة لهم هي عبادة الروحانيين من الملائكة، و من ثم لم يستطيعوا الوصول إليهم فاتخذوا الهياكل السبعة وهي الكواكب ، ثم لما يصلو إليها فاتخذوا الأصنام لتكون أمامهم مدعين أنها تقربهم إلى الله ، فهذا كان أصل وضع الأصنام أولا، وقد كان أخيرا في العرب و ظلوا هو على هذا الاعتقاد، حتى جاء نبينا محمد ليحطم فكرة الإله الصنم، التي انتشرت في جميع الأمم، قال تعالى: {ما نعبدهم إلّا ليقربونا إلى الله زلفى} وقد كان كل الناس في الزمان الذي أرسل فيه نوح يعبدون الأصنام.
تسعة قرون من الكفر .
و رغم أن نبي الله نوح دعا قومه كل هذه القرون ألّا أنهم تمادوا في عصيانهم، و نوحا يحذرهم من بأس الله ، و نقمته و يدعوهم إلى التوبة، و الرجوع إلى الحق، و العمل بما أمر الله تعالى، و قال المؤرخون أن نوحا عليه السلام أرسل و هو ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما.
و كان قوم نوح يبطشون به، و يخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لي و لقومي فإنهم لا يعلمون! و إذا تمادوا في معصيتهم و عظمت منهم الخطيئة، و تطاول عليه و عليهم الشأن اشتد عليه البلاء، و انتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلّا كان أخبث من الذي كان قبله، و هو صابر عند الله محتسبا، وحين يأتي جيل آخر تظل دعوته قائمة، و يظلون على كفرهم، فيقولون قد كان هذا مع آبائنا، و أجدادنا مجنوناً لا يقبلون منه شيئا، فكانوا يضربونه حتي يظنون أنه مات، فإذا أفاق اغتسل و خرج إليهم يدعوهم إلى الله، فلما طال ذلك عليه، و رأى الأولاد أكثر شرا من الآباء قال: رب قد ترى ما يفعل في عبادك، فإن تك لك فيهم حاجة فاهدهم، و إن يك غير ذلك فصبرني إلى أن تحكم فيهم. فأوحى إليه: إنه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن، فلما يئس من إيمانهم دعا عليهم فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} فلما شكا إلى الله و أستنصره عليهم، أوحى الله إليه أن: اصنع الفلك بأعيننا و وحينا و لا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون"
صناعة الفلك .
فأقبل نوح على عمل الفلك، وترك دعوة قومه و جعل يهيئ عتاد الفلك من الخشب، والحديد، والقار، وغيرها مما لا يصلحه سواه، فلما كان قومه يمرون به و هو في عمله فيسخرون منه، فيقول: {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون}فكانوا يستهزئون و يقولون: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة!ما زال نوح عليه السلام ينتظر الوحي بالركوب في الفلك و قيل إن الله أمره أن يجعل طول الفلك ثمانين ذراعا، و عرضه خمسين ذراعا، و طوله في السماء ثلاثين ذراعا،و أمر نوحا أن يجعله ثلاث طبقات: سفلى، ووسطى، وعليا، ففعل نوح كما أمره الله تعالى حتى إذا فرغ منه، وقد عهد الله إليه بعلامة التنور إذا فار فقال تعالى {حتى إذا جاء أمرنا و فار التنور قلنا أحمل فيها من كل زوجين اثنين. "
علامة التنور .
التنور هو الفرن الطيني الذي كان يستخدمونه في العصور القديمة لطهى العجين و عمل الخبز، و كان يوقد بالحجر، قيل أن هذا التنور كانت تستخدمه السيدة حواء بعد أن نزلت مع سيدنا أدم ، وقد كان موضعه بالكوفة أو بلاد الرافدين، و هو على الأرجح بداية الطوفان، فأعطى الله نوحا عليه السلام علامة ، وهى فوران التنور ، ولم يكن هذا يحدث إلّا إذا أصابه ماء، فكانت تلك معجزة أخرى من الله و علامة لنبيه، و قيل إن زوجة نوح و كانت كافرة، هي أول من رأت تلك العلامة، ففزعت حين فار التنور في وجهها، فأخبرت نوحا عليه السلام، فعلم أن هذا إذن من الله، و أمر الله جبرائيل أن يخبئ الحجر الأسود و هو من أحجار الجنة قبل أنه نزل مع آدم قبل بناء البيت الحرام و كان بالموضوع الذي بني فيه إبراهيم عليه السلام الكعبة، خبأه في أحد الجبال، و الله أعلم ، ثم حمل نوح من أمر الله بحمله، و كانوا أولاده الثلاثة: سام، وحام، ويافث، ونساءهم، و من بقى معه من المؤمنين لتكون كل الذرية الباقين من الذين يعبدون الله.
كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم, و قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعا ، و قيل ثمانين ذراعا عند أعلى جبل على الأرض ، و عم جميع الأرض طولها و العرض ، سهلها و حزنها و جبالها و قفارها و رمالها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ، و لا صغير لا كبير وقد جعل التنور آية فيما بينه و بين الله و التنور هو المكان الذي يخبر فيه الطحين قديما، وقد كان يوقد بالحجارة، و كان فيما قيل من حجارة و طين كان لحواء
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق