الحكمة من وجود الغريزة الجنسية

 الحكمة من وجود الغريزة الجنسية 

 أن الميل للجنس من الدوافع العضوية لدى الإنسان ، والإسلام لا يغفل هذا الجانب و نظم طرق إشباعه , وهذه الغريزة الجنسية والميل للجنس الآخر أمر فطري و طبع جبليٌ في مختلف المخلوقات والكائنات ولا  شك . 

وهناك حكم كثيرة لوجود غريزة قوية وعظيمة مثل الغريزة الجنسية والميل الشديد للجنس الآخر  .

 

الحكمة من وجود الغريزة الجنسية
الحكمة من وجود الغريزة الجنسية

 

 

وأول هذه الحكم : التكاثر والحفاظ علي النسل  وفي هذا يقول القيم بن القيم رحمه الله عن سيدنا آدم وزوجه : "ثم لمَّا أراد الله سبحانه أن يذرّ نسلهما في الأرض، ويكثِّره؛ وضع فيهما حرارة الشهوة، ونار الشوق والطلب، وألهم كلاً منهما اجتماعه بصاحبه، فاجتمعا على أمر قد قُدر" (التبيان في أقسام القرآن؛ 1/ 205 ).

  ومن الحكم أيضاً البلاء  والاختبار  :  كما قال ربي 

{  لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } ( الملك :2) 

وفي هذا يقول بن القيم رحمه الله تعالى: المادة الأرضية اقتضت حصول التفاوت في النوع الإنساني كما في المسند والترمذي عن النبى {صلى الله عليه و سلم } . أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فكان منهم الخبيث والطيب والسهل والحزن وغير ذلك فاقتضت مادة النوع الإنساني تفاوتهم في أخلاقهم وإراداتهم وأعمالهم ثم اقتضت حكمة العزيز الحكيم أن ابتلى المخلوق من هذه المادة بالشهوة والغضب والحب والبغض ولوازمها وابتلاه بعدوه الذي لا يألوه خبالاً ولا يغفل عنه ثم ابتلاه مع ذلك بزينة الدنيا وبالهوى الذي أمر بمخالفته هذا على ضعفه وحاجته وزين له حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وأمره بترك قضاء أوطاره وشهواته في هذه الدار الحاضرة العتيدة المشاهدة إلى دار أخرى ،غايته إنما تحصل فيها بعد طي الدنيا والذهاب بها وكان مقتضى الطبيعة الإنسانية أن لا يثبت على هذا الابتلاء أحدٌ وأن يذهب كلهم مع ميل الطبع ودواعي الغضب والشهوة .

فلم يَحُلْ بينهم وبين ذلك خالقهم وفاطرهم بل أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وبين لهم مواقع رضاه وغضبه ووعدهم على مخالفة هواهم وطبائعهم أكمل اللذات في دار النعيم فلم تقوَ عقول الأكثرين على إيثار الآجل المنتظر بعد زوال الدنيا على هذا العاجل الحاضر المشَاهَد وقالوا كيف يُباع نقدٌ حاضرٌ وهو قبضٌ باليد بنسيئةٍ مؤخرةٍ وعَدَنا بحصولها بعد طي الدنيا وخراب العالم ، ولسان حال أكثرهم يقول خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به فساعد التوفيق الإلهي من علم أنه يصلح لمواقع فضله فأمدَّه بقوة إيمان وبصيرة رأى في ضوئها حقيقة الآخرة ودوامها وما أعد الله فيها لأهل طاعته وأهل معصيته ورأى حقيقة الدنيا وسرعة انقضائها وقله وفائها وظلم شركائها ، وأنها كما وصفها الله سبحانه لعبٌ ولهوٌ وتفاخرٌ بين أهلها وتكاثر في الأموال والأولاد وأنها كغيثٍ أعجب الكفَّار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً فنشأنا في هذه الدار ونحن منها ، وبنوها لا نألف غيرها ، وحكمت العادات وقهر السلطان الهوى ، وساعده دَاْعِى النفوس وتقاضاه موجب الطباع وغلب الحس على العقل وكانت الدولة له والناس على دين الملك  .

ولا ريب أن الذي يخرق هذه الحجب ويقطع هذه العلائق ويخالف العوائد ولا يستجيب لدواعي الطبع ويعصي سلطان الهوى لا يكون إلا الأقل ولهذا كانت المادة النارية أقل اقتضاءً لهذا الصنف من المادة الترابية لخفة النار وطيشها وكثرة نقلتها وسرعة حركتها وعدم ثباتها والماء المادة الملكية فتربته من ذلك ، فلذلك كان المخلوق خيراً كله  فالعقلاء المخاطبون مخلوقون من هذه المواد الثلاث واقتضت الحكمة أن يكونوا على هذه الصفة والخلقة  (شفاء العليل؛  1/265 ). 

وقال أيضاً كما في الفوائد (1/110) : “ كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن مسألةٍ أيهما أفضل: رجل لم تخطر له الشهوات ولم تمر بباله، أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله؟ فكتب عمر: أن الذي تشتهي نفسه المعاصي ويتركها لله عز وجل من: {الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }. انتهي 

إلي غير ذلك من حكم خلق  الغريزة الجنسية ، وتختلف الشهوة باختلاف الغرض منها فقد تكون مطلوبة لغيرها من الأغراض  النبيلة كبقاء النوع والحفاظ علي النسل وقد تكون سبباً لدخول الجنان , فلولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ولا فُزْنا بعلو الدرجات ، فالصبر علي هجرها عبادة ، ووضعها في مكانها الطبيعي عبادة ، والحذر من الانحراف عن مسلكها الرشيد عبادة ، وضبط النفس مع شدة الداعي إلي الميل والهوى عبادة . 

و كيف يعظم الأجر وننال مكافئة عظيمة يطلق عليها الفوز العظيم الكبير المبين إذا لم يكن المقابل عظيماً والصبر كبيراً والغريزة قوية والسلطان مبين  , فالجنة عظيمة لا يستحقها إلا عظيم ولا يكن الإنسان منا عظيماً إلا إذا  تغلَّب علي شهواته وجعلها أسيرةً تحت توجيهه وأمرها بيده , فهو سيدها يأمرها وينظمها ويتحكم في ضوابطها  ، ولا يكن  عبداً  لها تغلبه ويقع في آثارها ويفتن بحبها وعشقاها , ويصبح أسير شهوته وهواه  ويسكر  قلبه  بها , فيدخل وبحق في قوله سبحانه : {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]  .

وقد تكون الشهوة مطلوبة لذاتها وفي هذا النوع يقول الحبيب إلي قلبي جمعني به في جنته إنه ولي ذلك والقادر عليه :  "وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إنما تذم إذا أعقبت ألمًا أعظم منها، أو منعت لذة خيرًا منها، وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة وهي لذة الدار الآخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله" (روضة المحبين؛1/156)  

والشهوات عظيمة ومتنوعة وتبقي شهوة النساء أعظمها وأضرها لقول حبيبنا صلي الله عليه وسلم   : ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه 

ومن هذه الشهوات التي تضعف وتميل لها النفوس ,  ما ذكره ربنا في حبله المتين وصراطه المستقيم :  {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14] 

وما أجمل قول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي  رحمه الله عند الحديث عن هذه الشهوات في تفسيره   : 

الموضع الذي تأتي فيه هذه الآية الكريمة هو: موقع ذكر المعركة الإسلامية التي جعلها الله آية مستمرة دائمة؛ لتوضح لنا أن المعارك الإيمانية تتطلب الانقطاع إلى الله، وتتطلب خروج الإنسان المؤمن عما ألف من عادة تمنحه كل المتع. والمعارك الإيمانية تجعل المؤمن الصادق يضحي بكثير من ماله في تسليح نفسه، وتسليح غيره أيضا.

فمن يقعد عن الحرب إنسان تغلبه شهوات الدنيا، فيأتي الله بهذه الآية بعد ذكر الآية التي ترسم طريق الانتصارات المتجدد لأهل الإيمان؛ وذلك حتى لا تأخذنا شهوات الحياة من متعة القتال في سبيل الله ولإعلاء كلمته فيقول: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات» وكلمة «زُيِّنَ» تعطينا فاصلا بين المتعة التي يحلها الله، والمتعة التي لا يرضاها الله؛ لأن الزينة عادة هي شيء فوق الجوهر. فالمرأة تكون جميلة في ذاتها وبعد ذلك تتزين، فتكون زينتها شيئا فوق جوهر جمالها.

فكأن الله يريد أن نأخذ الحياة ولا نرفضها، ولكن لا نأخذها بزينتها وبهرجتها، بل نأخذها بحقيقتها  الاستبقائية فيقول: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء» . وما الشهوة؟ الشهوة هي ميل النفس بقوة إلى أي عمل ما.

وحين ننظر إلى الآية فإننا نجدها توضح لنا أن الميل إذا كان مما يؤكد حقيقة استبقاء الحياة فهو مطلوب ومقبول، ولكن إن أخذ الإنسان الأمر على أكثر من ذلك فهذا هو الممقوت.

وسبق أن ضربنا المثل من قبل بأعنف غرائز الإنسان وهي غريزة الجنس، وأن حيواناً يفضل الإنسان فيها، فالحيوان أخذ العملية الجنسية لاستبقاء النوع بدليل أن الأنثى من الحيوان إذا تم لقاحها من فحل لا تُمكِّن فحلاً آخراً منها. والفحل أيضاً اذا ما جاء إلى أنثى وهي حامل فهو لا يُقبل عليها، إذن فالحيوانات قد أخذت غريزة الجنس كاستبقاء للحياة، ولم تأخذها كالإنسان لذة متجددة.

ومع ذلك فنحن البشر نظلم الحيوانات، ونقول في وصف شهوة الإنسان: أن عند فلان شهوة بهيمية. ويا ليتها كانت شهوة بهيمية بالفعل؛ لأن البهيمة قد أخذتها على القدر الضروري، لكن نحن فلْسفْناها، إذن فخروجك بالشيء عما يمكن أن يكون مباحاً ومشروعاً يسمى: دناءة شهوة النفس.  انتهي 

 

 أقول  : وسبحان اللطيف الحليم الذي جعل تمام هذه الغريزة يكمل مع البلوغ  ، ومن ثَمَّ حرية  الاختيار ، فالقدرة  علي  الفعل  والترك ، عالماً بالنجدين ووجود الملكين  , واقتراب الأجل ونعيم الجنان  وعذاب النيران .

وكتبه : عمر عرفات .

أعجبك المقال , قم بالان بالاشتراك في النشرة البريدية للتوصل بالمزيد

التعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق

مقالات مشابة
عن الناشر

كاتب ، ماجستير في الحقوق.

مقالات حالية
أبريل 18, 2024, 10:49 ص عبدالرحمن
مارس 30, 2024, 2:32 م Shady Shaker
مارس 27, 2024, 1:58 ص نوره محمد
فبراير 28, 2024, 11:35 ص بسيونى كشك
فبراير 28, 2024, 11:31 ص بسيونى كشك
فبراير 28, 2024, 11:25 ص بسيونى كشك
فبراير 22, 2024, 7:36 م بسيونى كشك
فبراير 21, 2024, 9:31 م بسيونى كشك